محمد المبارك
06-30-2007, 01:20 AM
(بروتوكولات الفريسيين داخل الديانة النصرانية )
ظهور النصرانية :
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
النصرانية هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية، وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، .
فأرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام داعياً إلى التوحيد والفضيلة والتسامح.
فالمسيح عليه السلام هو رسولٌ كريم مِن أولي العزم من الرسل ، أرسل إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ...) المائدة .
و قد رفع الله المسيح عليه السلام من بين أيدي اليهود إلى السماء كما هو مصرح في القرآن (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾ سورة النساء
وكذلك ً صرَّح الإنجيل:( فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه أسفل . أما هو فجاز في وسطهم ومضى) لوقا 4: 29-30، و كذلك أيضا ورد في الانجيل: ( مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أيادِيهم يحملونك (متى 4 : 6 ، ولوقا 4 : 10-11
ولكن النصرانية لقيت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية.، و لقد مرت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة، و امتدت إليه أيدي اليهود بالتحريف و التبديل .
اليهود الفريسيون و تحريف النصرانيه:
بعدما رفع المسيح عليه السلام ، اشتد إيذاء اليهود الفريسيين " الربانيين" للنصارى ، وللحواريين بوجه خاص ، و استعانوا على ذلك بالدولة الرومانية التي كانت تسيطر آنذاك على غالبية الشام و مصر ، وكان من أكبر المحرضين على الحواريين و تلامذتهم شيطان من شياطين الإنس يقال له :" شاول" الطرسوسي اليهودي الفريسي المولود لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) في العام الرابع للميلاد تقريبا و"تلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه "عمالائيل".
و كان شاول على علم كبير و دراية بمختلف الثقافات والمدارس الفلسفية والحضارات في عصره ، و كان معادياً للنصرانية بشكل رهيب جداً ، و كان فبل دخوله في النصرانية بشكلٍ مفاجئ يتولى مسؤولية تعذيب النصارى الأوائل ؛ فيحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد شاول للكنيسة فيقول :
( َأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْن ) ، و على الرغم من أن شاؤول كان من معاصري المسيح عليه السلام ، ألا أنهما لم يلتقيا أبدا .
و من مظاهر التعذيب الذي و قع على الحواريين و تلامذتهم ـ على يد شاول و جلاوته ـ
آنذاك :
1ـ قتل يعقوب بن زيدي أخو يوحنا الصياد ، و الذي كان أول من قتل من الحواريين .
2ـ وسجن بطرس .
3ـ و تعذيب سائر التلاميذ .
ـ وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه السلام ، حتى كاد الحواريون و تلامذتهم أن يفنوا .
الضعف يولَّد القوة :
و لكن في الحقيقة إن صبر الحواريين الموحَّدين و شدة تضحيتهم كان يقابل بكثير من الإكبار و الإعجاب الأممي ، لا سيما في الشارع الاسرائيلي ، مما خشي منه الفريسيون أن يؤدي إلى دخول اليهود كلهم في النصرانية ، لا سيما و أن الفريسيون " الربانيون" كانوا ممقوتين جدا من كافة الشعب الاسرائيلي .
و لذلك رأى الفريسيون الذين كانوا يسيطرون ـ بشكل منفرد ـ على الوضع الديني و كذلك السياسي اليهوديين ـ بما عُرِف عنهم من مكرٍ و خبثٍ يهوديين ـ تغيير خطة مواجهة النصرانية ، و ذلك بالتسلل إلى النصرانية نقسها و فصلها عن الدين اليهودي و عن العهد القديم ، و توجيهها إلى شعوب أخرى غير الشعب الاسرائيلي اليهودي .
بروتوكولات الفريسيين داخل النصرانية :
1ـ رأى الفريسيون أن خير طريقة للتخلص من النصرانية هو التسلل إليها عبر تظاهر بعض الفريسيين النشطاء والمتمكنين من الثقافات و الفلسفات و المذاهب الفكرية المختلفة باعتناق النصرانية ، و لم يكن هناك أنسب من عدو النصرانية اللدود و جلاد النصارى شاول الطرسوسي .
2ـ يعمل الفريسيون بعد تسللهم إلى الديانة النصرانية إلى فصلها عن الديانة اليهودية و التوراة " العهد القديم " ، و ذلك لضمان عدم تأثيرهم على الشعب الاسرائيلي .
3ـ يقوم الفريسيون ببث الفكر الوثني ، و طمس الحنيفية ، و نزع التوحيد من النصرانية ، و ذلك من خلال بثهم لمختلف الثقافات و الفلسفات الوثنية و التي كان شاول يتقنها جيدا ، لإبعاد النصارى عن رسالة السماء و وسائل و أسباب النصر ، و حرمانهم من الخلاص رالأبدي .
4ـ استعان شاول بالثقافة و الاساطير الاغريقية في تقرير طبيعتي المسيح الإلهية و البشرية ـ التي زعمهما ـ ، و كذلك في فكرة الأقانيم التي نقلها إلى المسيحية ، فمن المعلوم أن الفلسفة اليونانية لا سيما الافلاطونية منها تمهد للوثنية بتبريرات جاهزة للميثولوجيا الاغريقية حيث تضع وسيطا بين الإله المتعالي الواحد المنزه التنزيه الكامل، وبين الكون والإنسان• حيث ينادي أفلاطون "بضرورة التمييز بين الإله المتعالي، وبين الإله الصانع الذي يرجع إليه صنع العالم وتدبيره " ، وقد انتشرت هذه الفكرة بعده واتخذت صيغا مختلفة لدى التيارات التي يجمعها اسم ''الأفلاطونية المحدثة'' .
5ـ كما استعان بالثقافة الهندوسية في التمهيد لبذر عقيدة التثليث.
قصة التثليث :
في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وصل الغزاة الآريون إلى الهند مارِّين في طريقهم بالفرس "الإيرانيين" ، ممَّا أثَّر كثيرا في معتقدات الغزاة الآريين ، و حين استقر الآريون في الهند حصل تمازج بين خليط تلك المعتقدات الوثنية مما ولَّد الهندوسية كدين ذي معتقدات بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص وكان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية .
•و منذ أن وصل الآريون شكلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن ، إذ تنصُّ قوانين "منو" الهندوسية على الترتيب الطبقي التالي :
1ـ البراهمية : وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه : منهم المعلم والكاهن ، والقاضي ، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة ، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم .
2ـ الكاشتر : وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه : يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع .
3ـ الويش : وهم الذين خلقهم الإله من فخذه : يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال ، وينفقون على المعاهد الدينية
. و في القرنين التاسع و الثامن قبل الميلاد و عندما وضع الكهنة ـ الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهياً ـ مذهب البرهمية وقالوا بعبادة براهما أدخل الكهنة عقيدة التثليث في الهندوسية عن طريق جمع الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه بـ:
1- براهما : من حيث هو موجود
. 2-فشنو : من حيث هو حافظ
. 3- سيفا : من حيث هو مهلك
فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها ، و هكذا وجد التثليث عند الهندوس ، لينتقل بعدها إلى النصرانية بمجهودات شاؤول اليهودي غير المشكورة .
و نهناك نصٌّ قاطع في القرآن الكريم بشير إلى انتقال عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل إلى النصارى من ثقافات سابقة على اليهود و النصارى في قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون } سورة التوبة - سورة 9 - آية 30.
بينما عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل ـ تعالى الله عما يصفون ـ هي المرحلة الأولية للتثليث ، فإنه إذا وجد الأب و الابن وجدت الأم كضرورة عقلية.
من هو بولس الرسول :ـ كان شاول الطرطوسي متخصصاً بإذاقة أتباع المسيح سوء العذاب ، إلاَّ أنه عاد بعد ذلك ليعلن إيمانه بالمسيح ـ بشكل مفاجئ ـ بعد زعمه رؤيته للمسيح أثناء عودة شاول من دمشق ، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه ، آمرا له بنشر تعاليمه بين الأمم .
فيذكر سفر الأعمال تنصر شاول المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال ، و لا تمهيدات مهدت له بعد زعمه أنَّه قد رأى المسيح - بعد رفعه بسنوات - ، فبينما هو ذاهب إلى دمشق ـ في مهمة لرؤساء الكهنة ـ إذ تجلى له المسيح من بين جميع أفراد القافلة التي كان يسير معها ، و زعم َ شاول أن المسيح منحه حينئذ منصب الرسالة .
والعجيب أن بولس الرسول ـ الذي تنتسب المسيحية المحرفة إلى رسائله و أسفاره ـ لم يكن إلاَّ ذلك اليهودي الفريسي المسمَّى "شاول" ، و الذي تسمَّى فيما بعد ببولس ، ولقِّب "بولس الرسول".
و أثرُ بولس في النصرانية ظاهر بل إن النصرانية المحرفة تكاد أن تكون مسيحية بولس التي طغت على النصرانية الموحِّدة التي نادى بها المسيح وتلاميذه من بعده..
و يُعتبر بولس أشهر كَتَبة العهد الجديد ، وأهم الإنجيليين على الإطلاق ، فمن بين السبعة و عشرين سفرا من كتاب العهد الجديد قد ألف منهم أربعة عشر ، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية المحرفة و كذلك التصريح بالثالوث المقدس عندهم ، بل أن هناك من ينسب إلى بولس كلٍ من من انجيلي مرقس و لوقا و كذلك سفر أعمال الرسل، ، و هذا جعل الكثيرين من المؤرخين يجزمون أنه مؤسس المسيحية و واضع عقائدها .
ـ وكان مما ادَّعى بولس أن المسيح عليه السلام قاله له :
(16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِين) .
و بعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية كما يقص في رسالته الى أهل غلاطية :
(وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً )
و عندما عاد إلى دمشق حاول أن يرافق الحواريين خلال تنقلاتهم التبشيرية ( حوالي عام 40 م ) ، و استخف تلاميذ المسيح النصارى بكلام بولس غير أنهم أوجسوا منه خيفةً لماضيه ، فما كانوا يصدقون أنه قد تنصر ، لأن المسيح كان قد أمرهم : "بطريق الأمم لاتمضوا" فكيف يغير كلامه الذى حرص عليه طوال رسالته بأن يدعوا اليهود فقط فلم يصدقوه نظرا لأنه كان من أشد اليهود تعصبا ضد النصارى وأنه كان يربط النصارى بالسلاسل للعذاب الى الموت الى أن أصبحت عظامهم زرقاء .
ـ إلا أن برنابا الحواري الذى كان من أقرب الناس للمسيح دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه ، وبما يمتلكه شاول من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع تغيير توجه الدعوه الى الأمم ووضع نظام للكنيسه واستطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ بولس فأخذه برنابا تلميذ المسيح و قربه منهم حتى خرجوا جميعا يبشرون بديانتهم في أنحاء البلدة .
وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن "متى" ذهب إلى الحبشة ، وقُتل هناك بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما وقتل في عهد نيرون عام 62م . – أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية ، وأسس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم ورسم لهم أساقفه .
وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فنشأ خلافٌ حادٌّ حول طريقة بولس بعدم إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين لحسم الخلاف بينهما والذى زاد حِدَّةَ الخلاف بينهما الأسلوب الذى اتبعه بولس بأن جعل الناس يتصورون أنهم آلهه ، ويمكن مراجعه كتاب أعمال الرسل : «إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». 12فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ».
ـ ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. وَأَمَّا بُولُسُ َ فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَيِّدُ الْكَنَائِسَ.
و كان لبولس دور كبير في صياغة سائر المعتقدات النصرانية ، ليظهر التثليث و الذي انتقل من العقائد الهندوسية إلى النصرانية كعقيدة جلية في كتابات ترتليان الذي عاش في القرن الثاني الميلادي ، و ليصبح عقيدة رسمية للنصارى عام 381م في مجمع القسطنطينية.
مراحل تحريف الفريسين للتصرانية :
ـ فيما بين عام 51-55م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين - مجمع أورشليم - تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين من أحكام الشريعه ، وفيه تقرر - إعمالاً لأعظم المصلحتين - استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة ، و قد استطاع بولس إقناع الحواريين بكون ذلك من التسهيل الذي سيكون دافعاً للأمميين للانخلاع من ربقة الوثنية و الدخول في النصرانية ، و كذلك لكسب الوثنيين الرومان والذين كانوا يحكمون البلاد ولهم الأمر.
ـ كما قُرِّر في المجمع ـ أيضاً ـ تحريم الزنا ، وأكل المنخنقة ، والدم ، وما ذبح للأوثان .
ـ بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا ، مع أنها محرمة في التوراة ، و ذلك بحجة دعوة الأمميين و كسب الرومان الوثنيين .
- عاد شاول اليهودي "بولس" بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى ، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس ما جنح به كلِّيةً عن الدين ، فمن ذلك :
1ـ تسمية الدين النصراني بالمسيحيه .
2ـ نسخ أحكام التوراة وابطالها ، و قوله عن التوراة أنها : " كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد " ، و " أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد " مخالفا لتعاليم المسيح من أنه ماجاء لينقض بل ليكمل .
2ـ كما استعار شاول اليهودي من فلاسفة اليونان فكرة الأقنوم وهى اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة ، أو ابن الإله ، أو الروح القدس .
4ـ و قوله بعقيدة الصلب والفداء ، و كذلك قيامة المسيح .
5ـ وأن الغرض الأساسى لرسالة المسيح كان تخليص اليهود بخاصَّة من الخطيئه ، و هاهنا جنح كُلِّيةً إلى مصلحة الدين اليهودي ، ثم لما خشي من اتهامه باليهودية عاد فغيَّرها كليةً بنظريةٍ أخرى أكثر تعميما ، و هو أن المسيح جاء ليخلِّص الأمم جمعاء ، وأن الصلب كان هو الغرض من رسالته و من صعوده إلى السماء .
6ـ كما استعار بولس بذور النثليث من عقائد الهندوس و البراهمة .
وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة ، التى تعتقد بوحدانيه الله بدون شريك ، والتى أنبثقت منها النصرانيه ـ من اليهود الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام .
و هكذا أيضا بُذِرت عقيده التثليث الوثنية التي سماها بولس المسيحيه، و التي آمن بها الوثنيون لأنها تتماشى مع مبادئهم ، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها
ردود فعل تجاه التحريف :
1ـ نتيجةً لأفكار بولس حدثت بينه و بين برنابا مشادة عظيمة أدَّت إلى فرقة نهائية بعد صحبة غير قصيرة .
2ـ و نتيجة لنفس الأفكار أيضاً اصطدم بولس مع بطرس أيضاً الذي هاجمه وانفصل عنه مما أثار الناس ضده ، برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى ، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة ، فكل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هو قبل الافتراق.
2ـ و لهذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمنها عقيدته ومبادئه ، و من ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة 65م .
3ـ وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى : ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس ، وإيبيي فايتس ، وأوريجين لها ، وأنكروا أن بولس كان رسولا ، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث ، وتبعه فرقته البولسية إلا أنها كانت محدودة التأثير .
.
من هو برنابا ؟
وأمّا برنابا فهو أحد التلاميذ ( الحواريين ) الملازمين لعيسى عليه السلام ، و يعرف بابن الواعظ وهو لاوي قبرصي، ، وهو خال مرقص ، و كان رجلا صادقا طاهرا نقيا كما ذكرته كتب العهد الجديد ومن أكثر التلاميذ ( الحواريين ) ورعاً وحفظا للوصايا والتعاليم إذ ورد في سفر أعمال الرسل الإصحاح الحادي عشر الفقرة رقم ( 22-24):
(( فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية الذي لمّا أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ، فأنضمّ إلى الربّ جمع غفير )).
إنجيل برنابا ...
يكفي لمعرفة أهمية هذا الانجيل أن مؤلفه هو برنابا تلميذ المسيح عليه السلام المعاصر للأحداث ، وأول نسخة اكتشفت منه كانت في قعر الكنيسة الكاثوليكية ، في مكتبة البابا سكتس الخامس بروما ، إلاَّ أن هذا الانجيل يختلف عن الأناجيل الأربعة بما يلي:
1ـ (الله) عنده هو رب العالمين خالق السماوات
2 ـ الذبيح من أبناء إبراهيم إنما هو إسماعيل لا إسحاق.
3ـ يبشر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ لا يقول بصلب المسيح بل يؤكد بأن الله قد ألقى الشبه على يهوذا الإسخريوطي.
5ـ يحث على الختان.
6ـ يعتبر عيسى نبيًا لا أكثر.
و لذلك فقد فكان جزاء هذا الإنجيل الطرد من الكتاب المقدس وذلك بقرار البابا جلاسيوس عام 492م ؛ لأنه يعارض الكتاب المقدس فيما يدّعونه بألوهية المسيح ، إلى أن جاء فيما بعد الراهب اللاتيني " فرامرينو " الذي حصل عليه من مكتبة البابوية وأعلن إسلامه بعد قراءته له كما ذكر ذلك الدكتور النصراني خليل سعادة في مقدمة ترجمته لإنجيل برنابا ...
ورد في الفصل السادس والتسعون الفقرات من 1-15 صفحة 146 :
(( (1) ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عال : " قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكيناً لامتنا "
(2) أجاب يسوع : " أنا يسوع بن مريم من نسل داود ، بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطى الإكرام والمجد إلا لله "
(3) أجاب الكاهن : " انه مكتوب في كتاب موسى أن الهنا سيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله (4) لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيّا الله < تعني رسول الله> الذي ننتظره ؟ "
(5) أجاب يسوع : " حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي "
(6) أجاب الكاهن إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله
(7) لذلك أرجوك بإسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفيه سيأتي مسيّا "
(8) أجاب يسوع " لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي أنّي لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاّ : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض
(9) ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله (10) فيتنجّس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً (11) حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله (12) الذي سيأتي من الجنوب بقوّة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام (13) وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر (14) وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به (15) وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً )).
وفيما يلي صورة أصلية لهذه الفقرات من هذا الإنجيل ( برنابا ) :
و فيما يتعلّق بالبشارة فقد ورد اسم محمد صلى الله عليه وسلّم في هذا الإنجيل صريحاّ اسماً وصفةً :
فقد ورد أيضاً في الفصل السابع والتسعون الفقرات من 4-10 :
(( فقال حينئذٍ يسوع : " إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ وسيمتدّ دينه ويعمّ العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحاً " أجاب الكاهن : " أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟"
فأجاب يسوع : "لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي"
وأمّا عن ذكر اسم محمد (صلى الله عليهوسلم) فقد ورد في الفقرات من 13-18:
(( فقال حينئذٍ الكاهن : " ماذا يسمّى مسيّا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟"
أجاب يسوع " إن اسم مسيّا عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي قال الله : " اصبر يا محمد لأنّي لأجلك أريد أن اخلق الجنّه ، العالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتّى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً إن اسمه المبارك محمّد"
حينئذٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين : " يا الله أرسل لنا رسولك ، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم ! " ... )).
وفيما يلي صورة أصلية لهذه الفقرات من هذا الإنجيل ( برنابا ) :
دخول النصرانية إلى مصر
حين بدأت النصرانية في الانتشارفي الامبراطورية الرومانية ، و منها الولاية المصرية ، كان ذلك بين الجماهير ـ كما هي العادة في كل دين ـ .
و قبل أن تنتقل إلى الحكام ، ونظراً إلى أن بيئة شعوب الإمبراطورية كانت مختلفة عن البيئة التي شهدت ميلاد المسيحية ، وبعضها كان متشبعاً بالثقافتين اليونانية واللاتينية فقد كان من البديهي أن تصبح لمعتنقي المسيحية وخاصة الطبقة المثقفة نظرات فلسفية ، و نظرا إلى أنه لا يُبنى على الباطل إلا الباطل ، فقد بدأ مقدَّموهم البحث في أمور لاهوتية أشد غرابة و تعقيداً ، من أهمها :
1ـ هل للمسيح عليه السلام طبيعة واحدة إلهية أم له طبيعتان أحداهما إلهية والأخرى إنسانية ؟.
2ـ وهل له مشيئتان أم مشيئة واحدة ؟ وهل له طاقتان أم طاقة واحدة ؟
3ـ هو مساو له في الجوهر أم لا ؟
4ـ السيدة مريم ـ عليها السلام ـ يصح أن يطلق عليها " أم الإله ".
5ـ إذا جاز ذلك فهل أمومتها له تشمل الطبيعة الإنسانية أم الطبيعتين الإلهية والإنسانية ؟
وهي كما يرى القارئ مسائل فلسفية مبنية على عقائد وثنية أدخِلت في النصرانية عن طريق شاول اليهودي أو من جاء من بعده ، ممَّا جعل من الخلاف حول
طبيعة المسيح عليه السلام : هل هي طبيعة واحدة أم طبيعتان ؟ هو الأشد ضراوة حتى أدى ذلك إلى شطر الكنيسة المسيحية إلى كنيستين سنة 45م وانقسم اتباع عيسى عليه السلام إلى كاثوليك ( المؤمنين بالطبيعتين ) والارثوذكس ( المؤمنين بالطبيعة الواحدة ) ( ويتبعهم السريان الذين أطلق عليم اليعاقبة ) .
و تعددت أثناء ذلك المذاهب مثل :
الإثناسية ، الأريوسية ، البلاجيوسية ، النسطورية ، الدوناتية ....الخ .
و لما كانت علاقة مصر بالمسيحية قد ابتدأت مبكرا ، و ذلك برحلة "العائلة المقدسة" الى مصر هروباً من الاضطهاد الروماني واليهودي. وقد دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقس الحوارى ، و بدخوله إلى مصر يبدأ تاريخ المسيحية في مصر كما يقول المؤرخون المسيحيون .
و في عام 61 م في وقت عانى فيه المصريون مظالم الحكم الروماني واضطهاده الشديد للمصريين بفرض الضرائب الكبيرة التي أجبرت أصحاب الأراضي الزراعية إلى تركها بسبب عجزهم عن دفع الضرائب وهروباً من أعمال السخرة التي فرضها عليهم الرومان. وقد تكونت جماعة مسيحية في مصر امتدت إلى أن أصبحت الكنيسة القبطية أقدم مؤسسة مسيحية وقد استمر الاضطهاد الروماني للمسيحية في مصر منذ القرن الأول الميلادي. وبلغت هذه الاضطهادات ذروتها في استشهاد القديس مرقس عام 68م . وفي القرن الثالث وقع أكبر اضطهاد بالجماعة المسيحية على يد الإمبراطور دقلديانوس 248-305 م ، وسمي عصره بعصر الشهداء ويبدأ التقويم المسيحي المسمى بتقويم الشهداء بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس (عام 284 م).
لماذا دخل الرومان في النصرانية ؟؟ :
كان الرومان قبل عهد الامبراطور قسطنطين وثنيين يعبدون أشكالا متعددة من الآلهة و الأوثان ، إلاَّ أنَّ الإمبراطور قسطنطين أعلن في عام (324م) تحوله إلى الدين النصراني واعترافه بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية البيزنطية وذلك عندما أحس ببداية سريان الضعف في الامبراطورية الرومانية ، فرأى نقل العاصمة من روما إلى مدينةبيزنطة ، و التي سمَّاها بالقسطنطينية .
و مع أن قسطنطين كان في الحقيقة وثنيا ، إذ أنه لم يتعمدَّ مسيحيا إلاَّ قبيل وفاته بثلاثة أيام فقط ـ و هو في فراش الموت ـ ، إلاَّ أنه رأى مسايرة الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية باعتناق الدين النصراني الذي يعتنقه كثير من شعوب تلك المناطق بعد خلطه بالوثنية التي كان قد تربَّى عليها ، و ذلك لعدة أسباب:
1ـ التوفيق بين المسيحية التي يعتنقها غالبية شعوب الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية و "الوثنية التي كانت دين الامبراطورية الرسمي" .
2ـ كون الدين المسيحبي دين سماوي الأصل ، و بالتالي فإنه سيؤدي إلى تلاحم و قوة الامبراطورية الرومانية ، بعكس الأمم الوثنية التي كانت تعبد أوثانا متعددة ، و بالتالي تختلف مذاهبها باختلاف مناطقها و معبوداتها .
3ـ التقرب إلى شعوب تلك المناطق الشرقية تمهيدا لنتقل العاصمة الرومانية إلى القسطنطينية .
وقد لاحظ قسطنطين انتشار الدين النصراني بشكل واسع في ممالكه الشرقية ، و لذلك فإن الامبراطور قسطنطين قد أعلن ميوله وعطفه على النصارى من أجل الحفاظ على مقومات النصر على خصمه ، فأعلن عن دفاعه عن مذهب أثناسيوس القائل بالتثليث حينما كانت عاصمة دولته في روما .
ومن أجل ذلك رأس مجمع نيقية سنة 325م ، وتذكر مصادر النصارى أن أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح ، ولكن إجماعهم كان تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة ، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقد مجلس خاص بهم دون الباقين ، لاعتقاده إمكان إغرائهم ، فأمضى أولئك ذلك القرار تحت سلطان الترغيب أو الترهيب ، أوهما معاً ، وبذلك قرروا ألوهية المسيح ،ليبيعوا بذلك نصرانية عيسى عليه السلام بمسيحية بولس المحرفة ، و مِن ثَمَّ برغمون الناس على اعتناقها بقوة السيف ورهبة الحكام ، وحينما صدر قرار مجمع نيقية ضد أريوس وحرمانه ، وتجريده من رتبته الدينية ، صادَق قسطنطين على ذلك القرار .
4ـ إلاَّ أن قسطنطين كان قد عزم على نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة ، والتي يوجد فيها أكثرية نصرانية تعتنق مذهب أريوس ، و تم له ذلك في عام 335م وأصبح يطلق عليها القسطنطينية ، و لذلك أحضر أريوس قبل ذلك وعفا عنه ، يقول فاسيــليف :
(( عندما شرع قسطنطـــين في نقل عاصمته إلى الشرق ، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي )) ، فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م ، وعقد له مجمع صور سنة 334م ، وألغى قرار الطرد ( و ستأتي هذه القضية بشيء من التفصيل ) .
ويقال : أن أول امبراطور تعمَّد باسم الثالوث المقدَّس حسب عقيدة النصارى ، هو الامبراطور ثيودوسيوس الكبير الذي رعى عقد مجمع القسطنطينية ، وأنه وقادة الكنيسة تنفسوا الصعداء وشعروا كما شعر الامبراطور قسطنطين وقادة الكنيسة بعد قبول قانون الإيمان النيقوي في سنة 325 م ، بسرور وارتياح عظيمين ؛ لأنهم ظنوا بأن مجمع نيقية استطاع أن يستأصل الهرطقة من جذورها ، وأن يعيدوا الوحدة إلى الامبراطورية وإلى الكنيسة المهددتين بالانقسام والاضطراب .
وعندما تقرر رسمياً إقرار الاعتقاد بألوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381م ، أصدر الامبراطور ثودوسيوس الكبير مرسوماً أعلن فيه ما يلي :
(( حسب تعليم الرسل وحق الإنجيل ، يجب علينا أن نؤمن بلاهوت الأب والابن والروح القدس ، المتساوي في السلطان ، وكل من يخالف ذلك يجب عليه أن ينتظر منا العقوبات الصارمة التي تقتضي سلطتنا بإرشاد الحكمة السماوية أن نوقعها به ، علاوة على دينونة الله العادل )) .
(يتبع) .
ظهور النصرانية :
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ
بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "
النصرانية هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية، وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، .
فأرسل الله عز وجل عيسى عليه السلام داعياً إلى التوحيد والفضيلة والتسامح.
فالمسيح عليه السلام هو رسولٌ كريم مِن أولي العزم من الرسل ، أرسل إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴿116﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ...) المائدة .
و قد رفع الله المسيح عليه السلام من بين أيدي اليهود إلى السماء كما هو مصرح في القرآن (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿157﴾ بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿158﴾ سورة النساء
وكذلك ً صرَّح الإنجيل:( فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه أسفل . أما هو فجاز في وسطهم ومضى) لوقا 4: 29-30، و كذلك أيضا ورد في الانجيل: ( مكتوب أنه يوصي ملائكته بك فعلى أيادِيهم يحملونك (متى 4 : 6 ، ولوقا 4 : 10-11
ولكن النصرانية لقيت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية.، و لقد مرت النصرانية بعدة مراحل وأطوار تاريخية مختلفة، انتقلت فيها من رسالة منزلة من عند الله تعالى إلى ديانة مُحرَّفة ومبدلة، تضافر على صنعها بعض الكهان ورجال السياسة، و امتدت إليه أيدي اليهود بالتحريف و التبديل .
اليهود الفريسيون و تحريف النصرانيه:
بعدما رفع المسيح عليه السلام ، اشتد إيذاء اليهود الفريسيين " الربانيين" للنصارى ، وللحواريين بوجه خاص ، و استعانوا على ذلك بالدولة الرومانية التي كانت تسيطر آنذاك على غالبية الشام و مصر ، وكان من أكبر المحرضين على الحواريين و تلامذتهم شيطان من شياطين الإنس يقال له :" شاول" الطرسوسي اليهودي الفريسي المولود لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى ( تركيا القديمة ) في العام الرابع للميلاد تقريبا و"تلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه "عمالائيل".
و كان شاول على علم كبير و دراية بمختلف الثقافات والمدارس الفلسفية والحضارات في عصره ، و كان معادياً للنصرانية بشكل رهيب جداً ، و كان فبل دخوله في النصرانية بشكلٍ مفاجئ يتولى مسؤولية تعذيب النصارى الأوائل ؛ فيحكي سفر الأعمال أيضا عن اضطهاد شاول للكنيسة فيقول :
( َأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْن ) ، و على الرغم من أن شاؤول كان من معاصري المسيح عليه السلام ، ألا أنهما لم يلتقيا أبدا .
و من مظاهر التعذيب الذي و قع على الحواريين و تلامذتهم ـ على يد شاول و جلاوته ـ
آنذاك :
1ـ قتل يعقوب بن زيدي أخو يوحنا الصياد ، و الذي كان أول من قتل من الحواريين .
2ـ وسجن بطرس .
3ـ و تعذيب سائر التلاميذ .
ـ وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه السلام ، حتى كاد الحواريون و تلامذتهم أن يفنوا .
الضعف يولَّد القوة :
و لكن في الحقيقة إن صبر الحواريين الموحَّدين و شدة تضحيتهم كان يقابل بكثير من الإكبار و الإعجاب الأممي ، لا سيما في الشارع الاسرائيلي ، مما خشي منه الفريسيون أن يؤدي إلى دخول اليهود كلهم في النصرانية ، لا سيما و أن الفريسيون " الربانيون" كانوا ممقوتين جدا من كافة الشعب الاسرائيلي .
و لذلك رأى الفريسيون الذين كانوا يسيطرون ـ بشكل منفرد ـ على الوضع الديني و كذلك السياسي اليهوديين ـ بما عُرِف عنهم من مكرٍ و خبثٍ يهوديين ـ تغيير خطة مواجهة النصرانية ، و ذلك بالتسلل إلى النصرانية نقسها و فصلها عن الدين اليهودي و عن العهد القديم ، و توجيهها إلى شعوب أخرى غير الشعب الاسرائيلي اليهودي .
بروتوكولات الفريسيين داخل النصرانية :
1ـ رأى الفريسيون أن خير طريقة للتخلص من النصرانية هو التسلل إليها عبر تظاهر بعض الفريسيين النشطاء والمتمكنين من الثقافات و الفلسفات و المذاهب الفكرية المختلفة باعتناق النصرانية ، و لم يكن هناك أنسب من عدو النصرانية اللدود و جلاد النصارى شاول الطرسوسي .
2ـ يعمل الفريسيون بعد تسللهم إلى الديانة النصرانية إلى فصلها عن الديانة اليهودية و التوراة " العهد القديم " ، و ذلك لضمان عدم تأثيرهم على الشعب الاسرائيلي .
3ـ يقوم الفريسيون ببث الفكر الوثني ، و طمس الحنيفية ، و نزع التوحيد من النصرانية ، و ذلك من خلال بثهم لمختلف الثقافات و الفلسفات الوثنية و التي كان شاول يتقنها جيدا ، لإبعاد النصارى عن رسالة السماء و وسائل و أسباب النصر ، و حرمانهم من الخلاص رالأبدي .
4ـ استعان شاول بالثقافة و الاساطير الاغريقية في تقرير طبيعتي المسيح الإلهية و البشرية ـ التي زعمهما ـ ، و كذلك في فكرة الأقانيم التي نقلها إلى المسيحية ، فمن المعلوم أن الفلسفة اليونانية لا سيما الافلاطونية منها تمهد للوثنية بتبريرات جاهزة للميثولوجيا الاغريقية حيث تضع وسيطا بين الإله المتعالي الواحد المنزه التنزيه الكامل، وبين الكون والإنسان• حيث ينادي أفلاطون "بضرورة التمييز بين الإله المتعالي، وبين الإله الصانع الذي يرجع إليه صنع العالم وتدبيره " ، وقد انتشرت هذه الفكرة بعده واتخذت صيغا مختلفة لدى التيارات التي يجمعها اسم ''الأفلاطونية المحدثة'' .
5ـ كما استعان بالثقافة الهندوسية في التمهيد لبذر عقيدة التثليث.
قصة التثليث :
في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وصل الغزاة الآريون إلى الهند مارِّين في طريقهم بالفرس "الإيرانيين" ، ممَّا أثَّر كثيرا في معتقدات الغزاة الآريين ، و حين استقر الآريون في الهند حصل تمازج بين خليط تلك المعتقدات الوثنية مما ولَّد الهندوسية كدين ذي معتقدات بدائية من عبادة الطبيعة والأجداد والبقر بشكل خاص وكان هناك سكان الهند الأصليين من الزنوج الذين كانت لهم أفكار ومعتقدات بدائية .
•و منذ أن وصل الآريون شكلوا طبقات ما تزال قائمة إلى الآن ، إذ تنصُّ قوانين "منو" الهندوسية على الترتيب الطبقي التالي :
1ـ البراهمية : وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه : منهم المعلم والكاهن ، والقاضي ، ولهم يلجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة ، ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم .
2ـ الكاشتر : وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه : يتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع .
3ـ الويش : وهم الذين خلقهم الإله من فخذه : يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال ، وينفقون على المعاهد الدينية
. و في القرنين التاسع و الثامن قبل الميلاد و عندما وضع الكهنة ـ الذين يزعمون أن في طبائعهم عنصراً إلهياً ـ مذهب البرهمية وقالوا بعبادة براهما أدخل الكهنة عقيدة التثليث في الهندوسية عن طريق جمع الآلهة في إله واحد أخرج العالم من ذاته وهو الذي أسموه بـ:
1- براهما : من حيث هو موجود
. 2-فشنو : من حيث هو حافظ
. 3- سيفا : من حيث هو مهلك
فمن يعبد أحد الآلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها ، و هكذا وجد التثليث عند الهندوس ، لينتقل بعدها إلى النصرانية بمجهودات شاؤول اليهودي غير المشكورة .
و نهناك نصٌّ قاطع في القرآن الكريم بشير إلى انتقال عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل إلى النصارى من ثقافات سابقة على اليهود و النصارى في قوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون } سورة التوبة - سورة 9 - آية 30.
بينما عقيدة بنوة المسيح لله عز وجل ـ تعالى الله عما يصفون ـ هي المرحلة الأولية للتثليث ، فإنه إذا وجد الأب و الابن وجدت الأم كضرورة عقلية.
من هو بولس الرسول :ـ كان شاول الطرطوسي متخصصاً بإذاقة أتباع المسيح سوء العذاب ، إلاَّ أنه عاد بعد ذلك ليعلن إيمانه بالمسيح ـ بشكل مفاجئ ـ بعد زعمه رؤيته للمسيح أثناء عودة شاول من دمشق ، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه ، آمرا له بنشر تعاليمه بين الأمم .
فيذكر سفر الأعمال تنصر شاول المفاجئ و انقلابه دون مقدمات تقدمت لهذا الإنتقال ، و لا تمهيدات مهدت له بعد زعمه أنَّه قد رأى المسيح - بعد رفعه بسنوات - ، فبينما هو ذاهب إلى دمشق ـ في مهمة لرؤساء الكهنة ـ إذ تجلى له المسيح من بين جميع أفراد القافلة التي كان يسير معها ، و زعم َ شاول أن المسيح منحه حينئذ منصب الرسالة .
والعجيب أن بولس الرسول ـ الذي تنتسب المسيحية المحرفة إلى رسائله و أسفاره ـ لم يكن إلاَّ ذلك اليهودي الفريسي المسمَّى "شاول" ، و الذي تسمَّى فيما بعد ببولس ، ولقِّب "بولس الرسول".
و أثرُ بولس في النصرانية ظاهر بل إن النصرانية المحرفة تكاد أن تكون مسيحية بولس التي طغت على النصرانية الموحِّدة التي نادى بها المسيح وتلاميذه من بعده..
و يُعتبر بولس أشهر كَتَبة العهد الجديد ، وأهم الإنجيليين على الإطلاق ، فمن بين السبعة و عشرين سفرا من كتاب العهد الجديد قد ألف منهم أربعة عشر ، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية المحرفة و كذلك التصريح بالثالوث المقدس عندهم ، بل أن هناك من ينسب إلى بولس كلٍ من من انجيلي مرقس و لوقا و كذلك سفر أعمال الرسل، ، و هذا جعل الكثيرين من المؤرخين يجزمون أنه مؤسس المسيحية و واضع عقائدها .
ـ وكان مما ادَّعى بولس أن المسيح عليه السلام قاله له :
(16وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِين) .
و بعد ذلك مكث بولس بدمشق ثلاثة أيام غادرها بعدها الى العربية كما يقص في رسالته الى أهل غلاطية :
(وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ. 18ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً )
و عندما عاد إلى دمشق حاول أن يرافق الحواريين خلال تنقلاتهم التبشيرية ( حوالي عام 40 م ) ، و استخف تلاميذ المسيح النصارى بكلام بولس غير أنهم أوجسوا منه خيفةً لماضيه ، فما كانوا يصدقون أنه قد تنصر ، لأن المسيح كان قد أمرهم : "بطريق الأمم لاتمضوا" فكيف يغير كلامه الذى حرص عليه طوال رسالته بأن يدعوا اليهود فقط فلم يصدقوه نظرا لأنه كان من أشد اليهود تعصبا ضد النصارى وأنه كان يربط النصارى بالسلاسل للعذاب الى الموت الى أن أصبحت عظامهم زرقاء .
ـ إلا أن برنابا الحواري الذى كان من أقرب الناس للمسيح دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه ، وبما يمتلكه شاول من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع تغيير توجه الدعوه الى الأمم ووضع نظام للكنيسه واستطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ بولس فأخذه برنابا تلميذ المسيح و قربه منهم حتى خرجوا جميعا يبشرون بديانتهم في أنحاء البلدة .
وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن "متى" ذهب إلى الحبشة ، وقُتل هناك بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما وقتل في عهد نيرون عام 62م . – أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية ، وأسس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم ورسم لهم أساقفه .
وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فنشأ خلافٌ حادٌّ حول طريقة بولس بعدم إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين لحسم الخلاف بينهما والذى زاد حِدَّةَ الخلاف بينهما الأسلوب الذى اتبعه بولس بأن جعل الناس يتصورون أنهم آلهه ، ويمكن مراجعه كتاب أعمال الرسل : «إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». 12فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ».
ـ ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. وَأَمَّا بُولُسُ َ فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَيِّدُ الْكَنَائِسَ.
و كان لبولس دور كبير في صياغة سائر المعتقدات النصرانية ، ليظهر التثليث و الذي انتقل من العقائد الهندوسية إلى النصرانية كعقيدة جلية في كتابات ترتليان الذي عاش في القرن الثاني الميلادي ، و ليصبح عقيدة رسمية للنصارى عام 381م في مجمع القسطنطينية.
مراحل تحريف الفريسين للتصرانية :
ـ فيما بين عام 51-55م عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين - مجمع أورشليم - تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة 62م ليناقش دعوى استثناء الأمميين من أحكام الشريعه ، وفيه تقرر - إعمالاً لأعظم المصلحتين - استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة ، و قد استطاع بولس إقناع الحواريين بكون ذلك من التسهيل الذي سيكون دافعاً للأمميين للانخلاع من ربقة الوثنية و الدخول في النصرانية ، و كذلك لكسب الوثنيين الرومان والذين كانوا يحكمون البلاد ولهم الأمر.
ـ كما قُرِّر في المجمع ـ أيضاً ـ تحريم الزنا ، وأكل المنخنقة ، والدم ، وما ذبح للأوثان .
ـ بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا ، مع أنها محرمة في التوراة ، و ذلك بحجة دعوة الأمميين و كسب الرومان الوثنيين .
- عاد شاول اليهودي "بولس" بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى ، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة نتيجة لإعلان بولس ما جنح به كلِّيةً عن الدين ، فمن ذلك :
1ـ تسمية الدين النصراني بالمسيحيه .
2ـ نسخ أحكام التوراة وابطالها ، و قوله عن التوراة أنها : " كانت لعنة تخلصنا منها إلى الأبد " ، و " أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد " مخالفا لتعاليم المسيح من أنه ماجاء لينقض بل ليكمل .
2ـ كما استعار شاول اليهودي من فلاسفة اليونان فكرة الأقنوم وهى اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة ، أو ابن الإله ، أو الروح القدس .
4ـ و قوله بعقيدة الصلب والفداء ، و كذلك قيامة المسيح .
5ـ وأن الغرض الأساسى لرسالة المسيح كان تخليص اليهود بخاصَّة من الخطيئه ، و هاهنا جنح كُلِّيةً إلى مصلحة الدين اليهودي ، ثم لما خشي من اتهامه باليهودية عاد فغيَّرها كليةً بنظريةٍ أخرى أكثر تعميما ، و هو أن المسيح جاء ليخلِّص الأمم جمعاء ، وأن الصلب كان هو الغرض من رسالته و من صعوده إلى السماء .
6ـ كما استعار بولس بذور النثليث من عقائد الهندوس و البراهمة .
وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة ، التى تعتقد بوحدانيه الله بدون شريك ، والتى أنبثقت منها النصرانيه ـ من اليهود الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام .
و هكذا أيضا بُذِرت عقيده التثليث الوثنية التي سماها بولس المسيحيه، و التي آمن بها الوثنيون لأنها تتماشى مع مبادئهم ، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها
ردود فعل تجاه التحريف :
1ـ نتيجةً لأفكار بولس حدثت بينه و بين برنابا مشادة عظيمة أدَّت إلى فرقة نهائية بعد صحبة غير قصيرة .
2ـ و نتيجة لنفس الأفكار أيضاً اصطدم بولس مع بطرس أيضاً الذي هاجمه وانفصل عنه مما أثار الناس ضده ، برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى ، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا وحدث بينهما مشادة عظيمة ، فكل ما ذكر عن برنابا وبطرس في رسائل بولس فإنما هو قبل الافتراق.
2ـ و لهذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمنها عقيدته ومبادئه ، و من ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة 65م .
3ـ وقد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى : ففي القرن الثاني الميلادي تصدى هيولتس ، وإيبيي فايتس ، وأوريجين لها ، وأنكروا أن بولس كان رسولا ، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث ، وتبعه فرقته البولسية إلا أنها كانت محدودة التأثير .
.
من هو برنابا ؟
وأمّا برنابا فهو أحد التلاميذ ( الحواريين ) الملازمين لعيسى عليه السلام ، و يعرف بابن الواعظ وهو لاوي قبرصي، ، وهو خال مرقص ، و كان رجلا صادقا طاهرا نقيا كما ذكرته كتب العهد الجديد ومن أكثر التلاميذ ( الحواريين ) ورعاً وحفظا للوصايا والتعاليم إذ ورد في سفر أعمال الرسل الإصحاح الحادي عشر الفقرة رقم ( 22-24):
(( فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية الذي لمّا أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان ، فأنضمّ إلى الربّ جمع غفير )).
إنجيل برنابا ...
يكفي لمعرفة أهمية هذا الانجيل أن مؤلفه هو برنابا تلميذ المسيح عليه السلام المعاصر للأحداث ، وأول نسخة اكتشفت منه كانت في قعر الكنيسة الكاثوليكية ، في مكتبة البابا سكتس الخامس بروما ، إلاَّ أن هذا الانجيل يختلف عن الأناجيل الأربعة بما يلي:
1ـ (الله) عنده هو رب العالمين خالق السماوات
2 ـ الذبيح من أبناء إبراهيم إنما هو إسماعيل لا إسحاق.
3ـ يبشر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ لا يقول بصلب المسيح بل يؤكد بأن الله قد ألقى الشبه على يهوذا الإسخريوطي.
5ـ يحث على الختان.
6ـ يعتبر عيسى نبيًا لا أكثر.
و لذلك فقد فكان جزاء هذا الإنجيل الطرد من الكتاب المقدس وذلك بقرار البابا جلاسيوس عام 492م ؛ لأنه يعارض الكتاب المقدس فيما يدّعونه بألوهية المسيح ، إلى أن جاء فيما بعد الراهب اللاتيني " فرامرينو " الذي حصل عليه من مكتبة البابوية وأعلن إسلامه بعد قراءته له كما ذكر ذلك الدكتور النصراني خليل سعادة في مقدمة ترجمته لإنجيل برنابا ...
ورد في الفصل السادس والتسعون الفقرات من 1-15 صفحة 146 :
(( (1) ولما انتهت الصلاة قال الكاهن بصوت عال : " قف يا يسوع لأنه يجب علينا أن نعرف من أنت تسكيناً لامتنا "
(2) أجاب يسوع : " أنا يسوع بن مريم من نسل داود ، بشر مائت ويخاف الله وأطلب أن لا يعطى الإكرام والمجد إلا لله "
(3) أجاب الكاهن : " انه مكتوب في كتاب موسى أن الهنا سيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله وسيأتي للعالم برحمة الله (4) لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيّا الله < تعني رسول الله> الذي ننتظره ؟ "
(5) أجاب يسوع : " حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي "
(6) أجاب الكاهن إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله
(7) لذلك أرجوك بإسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفيه سيأتي مسيّا "
(8) أجاب يسوع " لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي أنّي لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاّ : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض
(9) ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله (10) فيتنجّس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً (11) حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله (12) الذي سيأتي من الجنوب بقوّة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام (13) وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر (14) وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به (15) وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً )).
وفيما يلي صورة أصلية لهذه الفقرات من هذا الإنجيل ( برنابا ) :
و فيما يتعلّق بالبشارة فقد ورد اسم محمد صلى الله عليه وسلّم في هذا الإنجيل صريحاّ اسماً وصفةً :
فقد ورد أيضاً في الفصل السابع والتسعون الفقرات من 4-10 :
(( فقال حينئذٍ يسوع : " إن كلامكم لا يعزيني لأنه يأتي ظلام حيث ترجون النور ولكن تعزيتي هي في مجيء الرسول الذي سيبيد كل رأي كاذب فيّ وسيمتدّ دينه ويعمّ العالم بأسره لأنه هكذا وعد الله أبانا إبراهيم وأن ما يعزيني هو أن لا نهاية لدينه لأن الله سيحفظه صحيحاً " أجاب الكاهن : " أيأتي رسل آخرون بعد مجيء رسول الله ؟"
فأجاب يسوع : "لا يأتي بعده أنبياء صادقون مرسلون من الله، ولكن يأتي عدد غفير من الأنبياء الكذبة وهو ما يحزنني لأن الشيطان سيثيرهم بحكم الله العادل فيتسترون بدعوى إنجيلي"
وأمّا عن ذكر اسم محمد (صلى الله عليهوسلم) فقد ورد في الفقرات من 13-18:
(( فقال حينئذٍ الكاهن : " ماذا يسمّى مسيّا وما هي العلامة التي تعلن مجيئه؟"
أجاب يسوع " إن اسم مسيّا عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي قال الله : " اصبر يا محمد لأنّي لأجلك أريد أن اخلق الجنّه ، العالم وجماً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك حتى أن من يباركك يكون مباركاً ومن يلعنك يكون ملعوناً ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص وتكون كلمتك صادقة حتّى أن السماء والأرض تهنان ولكن إيمانك لا يهن أبداً إن اسمه المبارك محمّد"
حينئذٍ رفع الجمهور أصواتهم قائلين : " يا الله أرسل لنا رسولك ، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم ! " ... )).
وفيما يلي صورة أصلية لهذه الفقرات من هذا الإنجيل ( برنابا ) :
دخول النصرانية إلى مصر
حين بدأت النصرانية في الانتشارفي الامبراطورية الرومانية ، و منها الولاية المصرية ، كان ذلك بين الجماهير ـ كما هي العادة في كل دين ـ .
و قبل أن تنتقل إلى الحكام ، ونظراً إلى أن بيئة شعوب الإمبراطورية كانت مختلفة عن البيئة التي شهدت ميلاد المسيحية ، وبعضها كان متشبعاً بالثقافتين اليونانية واللاتينية فقد كان من البديهي أن تصبح لمعتنقي المسيحية وخاصة الطبقة المثقفة نظرات فلسفية ، و نظرا إلى أنه لا يُبنى على الباطل إلا الباطل ، فقد بدأ مقدَّموهم البحث في أمور لاهوتية أشد غرابة و تعقيداً ، من أهمها :
1ـ هل للمسيح عليه السلام طبيعة واحدة إلهية أم له طبيعتان أحداهما إلهية والأخرى إنسانية ؟.
2ـ وهل له مشيئتان أم مشيئة واحدة ؟ وهل له طاقتان أم طاقة واحدة ؟
3ـ هو مساو له في الجوهر أم لا ؟
4ـ السيدة مريم ـ عليها السلام ـ يصح أن يطلق عليها " أم الإله ".
5ـ إذا جاز ذلك فهل أمومتها له تشمل الطبيعة الإنسانية أم الطبيعتين الإلهية والإنسانية ؟
وهي كما يرى القارئ مسائل فلسفية مبنية على عقائد وثنية أدخِلت في النصرانية عن طريق شاول اليهودي أو من جاء من بعده ، ممَّا جعل من الخلاف حول
طبيعة المسيح عليه السلام : هل هي طبيعة واحدة أم طبيعتان ؟ هو الأشد ضراوة حتى أدى ذلك إلى شطر الكنيسة المسيحية إلى كنيستين سنة 45م وانقسم اتباع عيسى عليه السلام إلى كاثوليك ( المؤمنين بالطبيعتين ) والارثوذكس ( المؤمنين بالطبيعة الواحدة ) ( ويتبعهم السريان الذين أطلق عليم اليعاقبة ) .
و تعددت أثناء ذلك المذاهب مثل :
الإثناسية ، الأريوسية ، البلاجيوسية ، النسطورية ، الدوناتية ....الخ .
و لما كانت علاقة مصر بالمسيحية قد ابتدأت مبكرا ، و ذلك برحلة "العائلة المقدسة" الى مصر هروباً من الاضطهاد الروماني واليهودي. وقد دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقس الحوارى ، و بدخوله إلى مصر يبدأ تاريخ المسيحية في مصر كما يقول المؤرخون المسيحيون .
و في عام 61 م في وقت عانى فيه المصريون مظالم الحكم الروماني واضطهاده الشديد للمصريين بفرض الضرائب الكبيرة التي أجبرت أصحاب الأراضي الزراعية إلى تركها بسبب عجزهم عن دفع الضرائب وهروباً من أعمال السخرة التي فرضها عليهم الرومان. وقد تكونت جماعة مسيحية في مصر امتدت إلى أن أصبحت الكنيسة القبطية أقدم مؤسسة مسيحية وقد استمر الاضطهاد الروماني للمسيحية في مصر منذ القرن الأول الميلادي. وبلغت هذه الاضطهادات ذروتها في استشهاد القديس مرقس عام 68م . وفي القرن الثالث وقع أكبر اضطهاد بالجماعة المسيحية على يد الإمبراطور دقلديانوس 248-305 م ، وسمي عصره بعصر الشهداء ويبدأ التقويم المسيحي المسمى بتقويم الشهداء بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس (عام 284 م).
لماذا دخل الرومان في النصرانية ؟؟ :
كان الرومان قبل عهد الامبراطور قسطنطين وثنيين يعبدون أشكالا متعددة من الآلهة و الأوثان ، إلاَّ أنَّ الإمبراطور قسطنطين أعلن في عام (324م) تحوله إلى الدين النصراني واعترافه بالمسيحية ديناً رسمياً للإمبراطورية البيزنطية وذلك عندما أحس ببداية سريان الضعف في الامبراطورية الرومانية ، فرأى نقل العاصمة من روما إلى مدينةبيزنطة ، و التي سمَّاها بالقسطنطينية .
و مع أن قسطنطين كان في الحقيقة وثنيا ، إذ أنه لم يتعمدَّ مسيحيا إلاَّ قبيل وفاته بثلاثة أيام فقط ـ و هو في فراش الموت ـ ، إلاَّ أنه رأى مسايرة الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية باعتناق الدين النصراني الذي يعتنقه كثير من شعوب تلك المناطق بعد خلطه بالوثنية التي كان قد تربَّى عليها ، و ذلك لعدة أسباب:
1ـ التوفيق بين المسيحية التي يعتنقها غالبية شعوب الشق الشرقي من الامبراطورية الرومانية و "الوثنية التي كانت دين الامبراطورية الرسمي" .
2ـ كون الدين المسيحبي دين سماوي الأصل ، و بالتالي فإنه سيؤدي إلى تلاحم و قوة الامبراطورية الرومانية ، بعكس الأمم الوثنية التي كانت تعبد أوثانا متعددة ، و بالتالي تختلف مذاهبها باختلاف مناطقها و معبوداتها .
3ـ التقرب إلى شعوب تلك المناطق الشرقية تمهيدا لنتقل العاصمة الرومانية إلى القسطنطينية .
وقد لاحظ قسطنطين انتشار الدين النصراني بشكل واسع في ممالكه الشرقية ، و لذلك فإن الامبراطور قسطنطين قد أعلن ميوله وعطفه على النصارى من أجل الحفاظ على مقومات النصر على خصمه ، فأعلن عن دفاعه عن مذهب أثناسيوس القائل بالتثليث حينما كانت عاصمة دولته في روما .
ومن أجل ذلك رأس مجمع نيقية سنة 325م ، وتذكر مصادر النصارى أن أولئك الثلاثمائة والثمانية عشر لم يكونوا مجمعين على القول بألوهية المسيح ، ولكن إجماعهم كان تحت سلطان الإغراء بالسلطة الذي قام به قسطنطين بدفعه إليهم شارة ملكه ليتحكموا في المملكة ، فقد دفعهم حب السلطان إلى أن يوافقوا هوى قسطنطين الذي ظهر في عقد مجلس خاص بهم دون الباقين ، لاعتقاده إمكان إغرائهم ، فأمضى أولئك ذلك القرار تحت سلطان الترغيب أو الترهيب ، أوهما معاً ، وبذلك قرروا ألوهية المسيح ،ليبيعوا بذلك نصرانية عيسى عليه السلام بمسيحية بولس المحرفة ، و مِن ثَمَّ برغمون الناس على اعتناقها بقوة السيف ورهبة الحكام ، وحينما صدر قرار مجمع نيقية ضد أريوس وحرمانه ، وتجريده من رتبته الدينية ، صادَق قسطنطين على ذلك القرار .
4ـ إلاَّ أن قسطنطين كان قد عزم على نقل عاصمة الإمبراطورية الرومانية من روما إلى بيزنطة ، والتي يوجد فيها أكثرية نصرانية تعتنق مذهب أريوس ، و تم له ذلك في عام 335م وأصبح يطلق عليها القسطنطينية ، و لذلك أحضر أريوس قبل ذلك وعفا عنه ، يقول فاسيــليف :
(( عندما شرع قسطنطـــين في نقل عاصمته إلى الشرق ، وأحس بالحاجة إلى استرضاء سكان القسم الشرقي من الامبراطورية لم يجد غضاضة في تغيير عقيدته أوميوله نحو المذهب الأريوسي )) ، فاستدعى أريوس من منفاه سنة 327م ، وعقد له مجمع صور سنة 334م ، وألغى قرار الطرد ( و ستأتي هذه القضية بشيء من التفصيل ) .
ويقال : أن أول امبراطور تعمَّد باسم الثالوث المقدَّس حسب عقيدة النصارى ، هو الامبراطور ثيودوسيوس الكبير الذي رعى عقد مجمع القسطنطينية ، وأنه وقادة الكنيسة تنفسوا الصعداء وشعروا كما شعر الامبراطور قسطنطين وقادة الكنيسة بعد قبول قانون الإيمان النيقوي في سنة 325 م ، بسرور وارتياح عظيمين ؛ لأنهم ظنوا بأن مجمع نيقية استطاع أن يستأصل الهرطقة من جذورها ، وأن يعيدوا الوحدة إلى الامبراطورية وإلى الكنيسة المهددتين بالانقسام والاضطراب .
وعندما تقرر رسمياً إقرار الاعتقاد بألوهية الروح القدس في مجمع القسطنطينية سنة 381م ، أصدر الامبراطور ثودوسيوس الكبير مرسوماً أعلن فيه ما يلي :
(( حسب تعليم الرسل وحق الإنجيل ، يجب علينا أن نؤمن بلاهوت الأب والابن والروح القدس ، المتساوي في السلطان ، وكل من يخالف ذلك يجب عليه أن ينتظر منا العقوبات الصارمة التي تقتضي سلطتنا بإرشاد الحكمة السماوية أن نوقعها به ، علاوة على دينونة الله العادل )) .
(يتبع) .